سورة ص - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)}
{وَعَجِبُواْ أَن جَاءهُم مٌّنذِرٌ مّنْهُمْ} حكاية لأباطيلهم المتفرعة على ما حكى من استكبارهم وشقاقهم أي عجبوا من أنجاءهم رسول من جنسهم أي بشر أو من نوعهم وهم معروفون بالأمية فيكون المعنى رسول أمي، والمراد أنهم عدوا ذلك أمرًا عجيبًا خارجًا عن احتمال الوقوع وأنكروه أشد الإنكار لا أنهم اعتقدوا وقوعه وتعجبوا منه {وَقَالَ الكافرون} وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضبًا عليهم وذمًا لهم وإيذانًا بأنه لا يتجاسر على مثل ما يقولون إلا المتوغلون في الكفر والفسوق {هذا ساحر} فيما يظهره مما لا نستطيع له مثلًا {كَذَّابٌ} فيما يسنده إلى الله عز وجل من الإرسال والإنزال.


{أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)}
{أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا} بأن نفي الألوهية عنها وقصرها على واحد فالجعل عنى التصيير وليس تصييرًا في الخارج بل في القول والتسمية كما في قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} [الزخرف: 19] وليس ذلك من باب إنكار وحدة الوجود في شيء ليقال إن الله سبحانه نعى على الكفرة ذلك الإنكار فتثبت الوحدة فإنه عليه الصلاة والسلام ما قال باتحاد إلهتهم معه عز وجل في الوجود {إِنَّ هذا لَشَىْء عُجَابٌ} أي بليغ في العجب فإن فعالًا بناء مبالغة كرجل طوال وسراع، ووجه تعجبهم أنه خلاف ما ألفوا عليه آباءهم الذين أجمعوا على تعدد الآلهة وواظبوا على عبادتها وقد كان مدارهم في كل ما يأتون ويذرون التقليد فيعدون خلاف ما اعتادوه عجيبًا بل محالًا، وقيل مدار تعجبهم زعمهم عدم وفاء علم الواحد وقدره بالأشياء الكثيرة وهو لا يتم إلا إن ادعوا لآلهتهم علمًا وقدرة، والظاهر أنهم لم يدعوهما لها {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والارض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25]. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي. وعيسى. وابن مقسم {عُجَابٌ} بشد الجيم وهو أبلغ من المخفف، وقال مقاتل {عُجَابٌ} لغة أزد شنوءة، أخرج أحمد. وابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. والترمذي وصححه. والنسائي. وابن جرير. وغيرهم عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جعفل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس فخشى أبو جهل إن جلس إلى أبي طالب أن يكون أرق عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب: أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول قال وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها يدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ففرحوا لكلمته ولقوله فقال القوم: ما هي؟ وأبيك لنعطينكها وعشرًا قال؛ لا إله إلا الله فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب. وفي رواية أنهم قالوا: سلنا غير هذا فقال عليه الصلاة والسلام: «لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها فغضبوا وقاموا غضابًا وقالوا والله لنشتمنك وإلهك الذي يأمرك بهذا.».


{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)}
{وانطلق الملا مِنْهُمْ} أي وانطلق الأشراف من قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهدوا تصلبه في الدين ويئسوا مما كانوا يرجونه منه عليه الصلاة والسلام بواسطة عمه وكان منهم أبو جهل. والعاص بن وائل. والأسود بن المطلب بن عبد يغوث. وعقبة بن أبي معيط.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مجلز قال: قال رجل يوم بدر ما هم إلا النساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هم الملأ وتلا {وانطلق الملا مِنْهُمْ} {أَنِ امشوا} الظاهر أنه أمر بالمشي عنى نقل الأقدام عن ذلك المجلس، و{ءانٍ} مفسرة فقيل في الكلام محذوف وقع حالًا من الملأ أي انطلق الملأ يتحاورون والتفسير لذلك المحذوف وهو متضمن معنى القول دون لفظه، وقيل لا حاجة إلى اعتبار الحذف فإن الانطلاق عن مجلس التقاول يستلزم عادة تفاوض المنطلقين وتحاورهم بما جرى فيه وتضمن المفسر لمعنى القول أعم من كونه بطريق الدلالة وغيرها كالمقارنة ومثل ذلك كاف فيه، وقيل الانطلاق هنا الاندفاع في القول فهو متضمن لمعنى القول بطريق الدلالة وإطلاق الانطلاق على ذلك الظاهر أنه مجاز مشهور نزل منزلة الحقيقة، وجوز أن يكون التجوز في الإسناد وأصله انطلقت ألسنتهم والمعنى شرعوا في التكلم بهذا القول، وقال بعضهم: المراد بامشوا سيروا على طريقتكم وداوموا على سيرتكم، وقيل هو من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها ومنه الماشية وسميت بذلك لأنها من شأنها كثرة الولادة أو تفاؤلًا بذلك والمراد لازم معناه أي أكثروا واجتمعوا، وقيل: هو دعاء بكثرة الماشية افتتحوا به كلامهم للتعظيم كما يقال أسلم أيها الأمير واختاروه من بين الأدعية لعظم شأن الماشية عندهم. وتعقب بأنه خطأ لأن فعله مزيد يقال أمشي إذا كثرت ماشيته فكان يلزم قطع همزته والقراءة بخلافه مع أن إرادة هذا المعنى هنا في غاية البعد، وأيًا ما كان فالبعض قال للبعض ذلك، وقيل قال الأشراف لأتباعهم وعوامهم، وقرئ {امشوا} بغير أن على إضمار القول دون إضمارها أي قائلين امشوا {وَاْصْبِرُواْ على ءالِهَتِكُمْ} أي أثبتوا على عبادتها متحملين لما تسمعونه في حقها من القدح.
وقرأ ابن مسعود {وانطلق الملا مِنْهُمْ يَمْشُونَ ءانٍ اصبروا} فجملة {يَمْشُونَ} حالية أو مستأنفة والكلام في {ءانٍ اصبروا} كما في {أَنِ امشوا} سواء تعلق تعليق بانطلق أو بما يليه {إِنَّ هَذَا لَشَىْء يُرَادُ} تعليل للأمر بالصبر أو لوجوب الامتثال به، والإشارة إلى ما وقع وشاهدوه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتصلبه في أمر التوحيد ونفي ألوهية آلهتهم أي إن هذا لشيء عظيم يراد من جهته صلى الله عليه وسلم إمضاؤه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لا قول يقال من طرف اللسان أو أمر يرجى فيه المسامحة بشفاعة إنسان فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إراتكم واصبروا على عبادة آلهتكم، وقيل: إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا حيلة إلا تجرع مرارة الصبر، وقيل: إن هذا الذي يدعيه من أمر التوحيد أو يقصده من الرياسة والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يرده كل أحد ولكن لا يكون لكل ما يتمنتاه أو يريده فاصبروا، وقيل: أن هذا أي دينكم يطلب لينتزع منكم ويطرح أو يراد إبطاله، وقيل: الإشارة إلى الصبر المفهوم من {اصبروا} أي أن الصبر لشيء مطلوب لأنه محمود العاقبة. وقال القفال: هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف، والمعنى أنه ليس غرضه من هذا القول تقرير الدين وإنما غرضه أن يستولي علينا فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد فتأمل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8